اكتشاف رياح فائقة السرعة قرب ثقب أسود


اكتشف علماء الفلك أسرع رياح فوق البنفسجية تم تسجيلها على الأطلاق في الكون، فقد كانت تدور حول ثقب أسود فائق الحجم بسرعة تصل إلى 200 مليون كيلومتر/ساعة (125 مليون ميل/ساعة) أي ما يعادل 20% من سرعة الضوء، هذا بالضبط ما كشفه فريق بحث جديد أجراه فريق من علماء الفيزياء الفلكيّة في جامعة يورك عن أسرع رياح رُصدت في الأطوال الموجية للأشعة فوق البنفسجيّة قرب ثقبٍ أسود فائق الكتلة.

فقد تخيل نفسك عالقاً داخل عاصفة، تصل سرعة الرياح فيها إلى 200 مليون كيلومتر بالساعة (125 مليون ميل بالساعة)، هذا بالتحديد ما اكتشفه علماء الفلك حول ثقبٍ أسود هائل الحجم؛ وإن قلنا أن لهذه الرياح القدرة على تمزيقك إرباً، فإننا قد نستخف بها كثيراً، أنها ستحملك، بكل معنى الكلمة، بعيداً بسرعة 200 مليون كيلومتر في ساعة.


توضيح فني يظهر رياحاً عنيفة من الغاز تدور قرب ثقب أسود. نرى في الصورة أن قسماً من الغاز يتصاعد إلى الداخل، بينما يندفع قسم آخر نحو الخارج

ولكن السؤال هنا كيف من الممكن أن توجد رياح كهذه في وسط شبيه بالفراغ؟

بشكل عام، الرياح الفضائية لا تشابهه الرياح الموجودة على الأرض، فهي تحدث نتيجةً لتيارات الطاقة. وهي تشبه كثيراً نفث البلازما المنبعث من الشمس والتي يُحدث رياح شمسية قوية للغاية.


صورة توضيحية عن الرياح الشمسية و كيف يقوم كوكبنا و المريخ بصدها بالمجال المغناطيسي، و كما هو موضح فمجالنا المغناطيسي أقوى من ما عند المريخ

رقم قياسي جديد لرياح بسرعة 200 مليون كيلومتر بالساعة وجدت مصاحبة لانفجار ثقب أسود هائل

يقول جيسي روجرسون Jesse Rogerson الذي قاد فريق البحث كجزء من أطروحته في الدكتوراه في قسم الفيزياء والفلك في جامعة يورك: "لقد رصدنا رياحاً تُقدّر سرعتها بما نسبته 20% من سرعة الضوء، حيث تبلغ نحو 200 مليون كيلومتر في الساعة، وهذا يعادل تقريباً قوة إعصار من الفئة السابعة والسبعين. وأيضاً، نمتلك أسباباً كافية تجعلنا نعتقد بوجود رياحٍ صادرة عن الكوازارات quasar تُعدّ أسرع بكثير من تلك التي رصدناها مؤخراً". 

ملحوظة: 

الكوازارات هي النجوم الزائف التي سبق و تحدثنا عنها في موضوع "ظواهر غريبة لن تجدها إلا في الفضاء".

وكان قد اكتشف علماء الفلك وجود رياح الكوازار منذ أواخر ستينات القرن الماضي، كما اكتشفوا أنّ واحداً على الأقل من أربعة كوزارات يصدر رياحاً خاصة به. تُعرف الكوازارات بأنها أقراص من الغاز الساخن تتشكل حول الثقوب السوداء فائقة الكتلة في مركز المجرّات العملاقة، وهي أكبر من مدار الأرض حول الشمس وأكثر سخونة من سطح الشمس، تنتج الكوازارات ما يكفي من الضّوء ليجعلها مرئية عبر أرجاء الكون المرصود. 

وفي هذا الصدد، يقول باتريك هال Patrick Hall، وهو المشرف على أطروحة روجرسون للدكتوراه: "تمتلك الثقوب السّوداء كتلة أكبر من الشمس بمليارات المرات، ويعود سبب ذلك إلى كونها بمثابة (آكلة فوضوية) تبتلع أي مادة تقترب منها. عندما تدور مادة ما نحو ثقب أسود، فإن جزءاً منها يندفع بعيداً بفعل حرارة وضوء الكوازار، وهذا الجزء هو بالضبط الرياح التي يقوم فريق العلماء برصدها". 

استخدم روجيرسون وفريقه بياناتٍ مستقاةً من عمليّة مسح شاملة للسّماء تُعرف بـ مسح سلون الرقميّ لتحديد التدفقات الجديدة الصادرة عن الكوازارات، وبعدما رصدوا نحو 300 عينة، اختار العلماء منها قرابة الـ 100 بهدف إجراء المزيد من الأبحاث عليها، وذلك عبر جمع بيانات باستخدام تلسكوبي مرصد جيميني في كل من هاواي وتشيلي، حيث إن لكندا الجزء الأكبر من المشاركة فيه. 

يقول هال: "لم يقتصر بحثنا على تأكيد وجود رياح الأشعة فوق البنفسجية السريعة هذه، وإنما تعدّاه للكشف عن رياح جديدة تتحرك بشكل أبطأ، إذ تُقدّر سرعتها بنحو 140 مليون كيلومتر في الساعة، وبالطبع، فإننا نخطط للاستمرار في عمليات رصد الكوازرات ومراقبتها لنرى ما الجديد الذي قد نكتشفه أيضاً". 

تهدف مثل هذه الأبحاث للوصول إلى فهم أفضل للتدفقات الصادرة عن الكوازارات بالإضافة إلى سبب حدوثها. 

الرياح الفضائية

لتوضيح الأمر أكثر، يدور قرصٌ من المواد فائقة الحرارة والسطوع حول الثقوب السوداء الضخمة، يعرف هذا القرص "بالقرص المزود"، ويظهر عندما يستهلك الثقب الأسود مادة مثل كوكب أو نجم، عندما تتحرك المادة القادمة من كوكب أو نجم (أو أي مادة أخرى) بعنف حول الثقب الأسود بشكل حلزوني متجهةً إلى المركز، فإنها ستصطدم بمواد أخرى مسببة الاحتكاك ومولدةً حرارة، إن هذا ما يجعل القرص المزود فائق الحرارة والتوهج.

وفي نهاية الأمر تنتج هذه الأقراص "الرياح الكويزرية "، وبسبب وجود ثقبٍ أسودٍ في مركز كل مجرة تقريباً، فإن هنالك الكثير من الرياح الكويزرية في كوننا.

وأوضح عالم الفلك باتريك هال "كلما تدور المادة بشكل حلزوني داخل الثقب الأسود يتبدد جزء منها بسبب حرارة وضوء الكويزر ، وهذه هي الرياح التي قمنا برصدها".

ولكي يتسنى لفريق علماء الفلك معرفة ماهية الكويزر الذي يبعث هذه الرياح القوية جداً، ضيّق العلماء الاحتمالات إلى 100 مرشح باستخدام بيانات أخذت من مسح سولان ديجيتال سكاي (Sloan Digital Sky Survey).


تُبين هذه الصورة خريطة للكون المرئي بالكامل باستخدام بيانات تم تجميعها بواسطة مسح سولان ديجيتال سكاي (SDSS).

ما قام هال وفريقه باكتشافه بعد إكمال عملية تنظيم البيانات هو أن الثقب الأسود الذي يملك أسرع نفث من طاقة الكويزر هو نفسه الذي يبعث رياح بسرع بطيئة نوعاً ما، بحدود 140 مليون كيلومتر في ساعة (87 مليون ميل في ساعة) فقط. يستمر الباحثون بمراقبة الكويزر لمراقبة كيف تغيرت سرعة الرياح.

أهمية الرياح الفضائية

يمكن للرياح الكويزرية أن تعطينا وفرةً من المعلومات المتعلقة بكيفية استقرار المادة في المجرة بمكانها، ولماذا تستقر في هذا المكان تحديداً، على سبيل المثال لو لم تكن هناك هذه الرياح لكانت مجرتنا تحتوي على الكثير من النجوم، حيث تقوم هذه الرياح بمنع المواد من التشكل والتحول إلى نجوم عبر حملها ونشرها في أنحاء الكون.

وعلى الرغم من أن هذه الرياح القوية أمر رائع جداً، لكن تخيل ما سيكون عليه الأمر لو انك ترى سماء بنجوم أكثر توهجاً في الليل.

ويقول روجيرسون: "تلعب الرياح الصادرة عن الكوازارات دوراً مهماً في تشكيل المجرات، فعندما تتشكل المجرات، تقذف تلك الرّياح المواد إلى الخارج وتعيق بالتالي تشكّل النجوم، وعليه، لو كانت هذه الرياح غير موجودة أو أقلّ قوة، لرأينا مزيداً من النجوم في المجرات الكبيرة خلافاً لما عليه الأمر الآن".

ليست هناك تعليقات