فلكيون يكتشفون فراغاً غير اعتيادي حول مركز مجرتنا
استطاع فلكيون أن يروا المناطق الواقعة خلف غبار النجوم، وذلك باستخدام تقنية الأشعة تحت الحمراء القريبة من مجال الضوء المرئي (near-infrared)، ولكنهم لم يروا سوى منطقة هائلة خالية من النجوم. يمتد هذا الفراغ النجمي على مسافة 8,000 سنة ضوئية من مركز مجرة درب التبانة، ويشكل حوالي 8% من حجمها.
صحراء فضائية
يحاول الفلكيون على الدوام العثور على وسائل أفضل لمراقبة توزع النجوم في المجرة، وذلك لمعرفة المزيد عن كيفية تشكل الكون. ومن العوائق التي تخفض من فعالية العمل (إضافة إلى مشكلة المسافة بطبيعة الحال) غبار النجوم الذي يمنع الرؤية، ويضيع الجهود المبذولة في المراقبة، وذلك على الرغم من التطورات الهامة في التلسكوبات في جميع أنحاء العالم.
غير أننا قطعنا مسافة كبيرة نحو حل هذه المشكلة.
استخدم أحد الفرق، بقيادة نوريوكي ماتسوناجا من جامعة طوكيو، صوراً بتقنية الأشعة تحت الحمراء القريبة من تلسكوب في جنوب إفريقيا، وذلك للبحث عن نجوم قيفاوية لإضافتها إلى الخريطة الحالية لمجرة درب التبانة. القيفاويات هي نجوم يافعة لا يتجاوز عمرها بضع عشرات من ملايين السنين، تتوهج وتخمد بشكل دوري، وهذا الضوء المتغير دورياً هو ما يستخدمه الفلكيون لحساب بعدها عنا.
ما عثر عليه الفريق كان غير متوقع إطلاقاً: لا شيء... امتداد واسع من العدم. على حين أنه توجد نجوم قيفاوية ضمن مركز المجرة، والذي يبلغ قطره حوالي 150 سنة ضوئية، إلا أنه محاط بفراغ نجمي يمتد لمسافة 8,000 سنة ضوئية من المركز. يعتبر هذا حجماً ضخماً، خصوصاً أن درب التبانة بأكملها تبلغ 100,000 سنة ضوئية عرضاً، أي أن هذا الفراغ يعادل 8% من المجرة!
فراغ غريب
ولادة جدل جديد
يقول جيوسيبي بونو، عضو الفريق من جامعة روما الثانية في إيطاليا: "تشير النتائج الحالية إلى أنه لم يتواجد أي تشكيل نجمي ذي أهمية ضمن هذه المنطقة الكبيرة منذ مئات ملايين السنين. نستطيع تحقيق فهم أفضل لتشكل وتطور درب التبانة، وذلك اعتماداً على حركة القيفاويات الجديدة وتركيبها الكيماوي."
تذكرنا هذه "الصحراء"، والتي سميت بالقرص الداخلي الأقصى، بما اكتشفته دراسات فلكية راديوية سابقة. يقول مايكل فيست، عضو فريق الدراسة من جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا: "تناقض استنتاجاتنا مع أعمال أخرى حديثة، لكنها تتوافق مع عمل الفلكيين الراديويين الذين لم يلاحظوا ولادة نجوم جديدة في هذه الصحراء."
أما بالنسبة لسبب نشوء هذه المنطقة الصحراوية، من ناحية أخرى، فهو قضية مختلفة تماماً، وسوف يشعل جدلاً علمياً جديداً، والمجال مفتوح الآن أمام النظريات الغريبة.
آراء
أشار فريق دولي يقوده البروفيسور نوريوكي ماتسوناغا Noriyuki Matsunaga من جامعة طوكيو، إلى أننا بحاجة كبيرة لمراجعة فهمنا لمجرتنا درب التبانة Milky Way Galaxy. حيث وجد الفريق، الذي يضم فلكيين من اليابان وجنوب أفريقيا وإيطاليا، منطقة ضخمة حول مركز مجرتنا تخلو من النجوم الشابة. و نشر الفريق نتائجه في ورقة علمية في مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society.
تعدّ مجرة درب التبانة مجرة حلزونية spiral galaxy تحتوي على مليارات النجوم، منها شمسنا التي تبعد عن المركز 26000 سنة ضوئية. ويمثّل قياس توزيع هذه النجوم أمراً حاسماً في فهمنا لكيفية تشكل مجرتنا وتطورها. وتعتبر النجوم النابضة التي تدعى بالمتغيرات القيفاوية (Cepheids) مثالية لهذا الأمر.
إنّ المتغيرات القيفاوية أصغر عمراً من شمسنا بكثير (عمر الشمس 4.6 مليار عام، بينما يتراوح عمر المتغيرات القيفاوية بين 10 و300 مليون عام) وهي تنبض بسطوعها وفق دورة منتظمة، ويرتبط طول هذه الدورة بلمعان المتغير القيفاوي، لذلك إذا قام الفلكيون بمراقبتها فبإمكانهم معرفة مدى سطوع النجم فعلياً بمقارنته بما نراه من الأرض، وحساب بعده عنها.
وعلى الرغم من هذا، فإن إيجاد نجم قيفاوي داخل مجرة درب التبانة يعد أمراً صعباً؛ إذ إن المجرة مليئة بالغبار بين النجمي interstellar dust الذي يحجب الضوء ويخفي العديد من النجوم عن الأنظار. عمل فريق ماتسوناغا على التغلّب على هذه المشكلة عن طريق تحليل أرصاد الأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء المستقاة من تلسكوب ياباني- جنوب أفريقي، يقع في ساندرلاند في جنوب أفريقيا. ولفرط دهشتهم، فإنهم بالكاد وجدوا أية متغيرات قيفاوية في منطقة كبيرة تمتد لآلاف السنين الضوئية من قلب المجرة.
فسر نوريوكي ماتسوناغا الأمر قائلاً: "لقد وجدنا منذ بعض الوقت أن هناك متغيرات قيفاوية في مركز مجرتنا بالفعل (في منطقة يبلغ امتداد نصف قطرها 150 سنة ضوئية). والآن وجدنا منطقة كبيرة خالية من النجوم القيفاوية تمتد لمسافة 8000 سنة ضوئية من المركز".
وهذا يشير إلى أن جزءا كبيراً من مجرتنا يدعى القرص الداخلي الأقصى Extreme Inner Disk لا يحتوي أياً من النجوم الشابة. ويعلق الكاتب المشارك مايكل فيست Michael Feast قائلاً: "تتعارض استنتاجاتنا مع أعمال أخرى في الآونة الأخيرة، لكنها تتوافق مع عمل علماء الفلك الراديوي الذين لم يشاهدوا أية نجوم جديدة ولدت في هذه المنطقة الخالية".
ويوضح مؤلف آخر يدعى جوزيبي بونو Giuseppe Bono قائلاً: "تشير النتائج الحالية إلى عدم وجود تشكّل كبير للنجوم في هذه المنطقة الكبيرة على مدى مئات الملايين من السنوات. أي أن كلاً من حركة النجوم القيفاوية الجديدة وتركيبها الكيميائي ساعدانا في الحصول على فهم أفضل لتشكل مجرة درب التبانة وتطورها. إنّ المتغيرات القيفاوية تُستخدم عادةً ، على نطاق واسع، لقياس المسافات بين الأجسام في الكون البعيد، والعمل الجديد هو مثال على الطرق الجديدة التي يمكن استخدامها فيها للكشف عن تركيب مجرتنا.
ملحوظة:
المتغيرات القيفاوية: هي نجوم تتغير درجة لمعانها بصورة دورية منتظمة، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى أول نجم أكتُشفت فيه هذه الظاهرة، وهو دلتا قيفاوس.
التعليقات على الموضوع